فصل: مسألة: الذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصول في أدب التخلي

لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة في قول أكثر أهل العلم لما روى أبو أيوب قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب‏:‏ فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة‏,‏ فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل‏)‏ متفق عليه ولمسلم عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها‏)‏ وقال عروة بن ربيعة وداود‏:‏ يجوز استقبالها واستدبارها لما روى جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب وهذا دليل على النسخ‏,‏ فيجب تقديمه ولنا أحاديث النهي وهي صحيحة وحديث جابر يحتمل أنه رآه في البنيان أو مستترا بشيء ولا يثبت النسخ بالاحتمال ويتعين حمله على ما ذكرنا‏,‏ ليكون موافقا للأحاديث التي نذكرها فأما في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان إحداهما لا يجوز أيضا وهو قول الثوري وأبي حنيفة لعموم الأحاديث في النهي والثانية يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان‏,‏ روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما وبه قال مالك‏:‏ والشافعي وابن المنذر وهو الصحيح لحديث جابر وقد حملناه على أنه كان في البنيان وروت عائشة ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر له أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة‏)‏ رواه أصحاب السنن وأكثر أصحاب المسانيد منهم أبو داود الطيالسي‏,‏ رواه عن خالد بن الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة قال أبو عبد الله‏:‏ أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة‏,‏ وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن قال أحمد‏:‏ عراك لم يسمع من عائشة فلذلك سماه مرسلا وهذا كله في البنيان وهو خاص يقدم على العام وعن مروان بن الأصفر قال‏:‏ رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت‏:‏ يا أبا عبد الرحمن‏,‏ أليس قد نهي عن هذا‏؟‏ قال‏:‏ بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود وهذا تفسير لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العام وفيه جمع بين الأحاديث فيتعين المصير إليه وعن أحمد‏:‏ أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعا لما روى ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏رقيت يوما على بيت حفصة‏,‏ فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏

ويكره أن يستقبل الشمس والقمر بفرجه لما فيهما من نور الله تعالى فإن استتر عنهما بشيء فلا بأس لأنه لو استتر عن القبلة جاز فهاهنا أولى ويكره أن يستقبل الريح لئلا ترد عليه رشاش البول فينجسه‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يستتر عن الناس‏,‏ فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة أو بعيرا استتر به وإن لم يجد شيئا أبعد حتى لا يراه أحد لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من الرمل فليستدبره‏)‏ وروي عنه عليه السلام ‏(‏أنه خرج ومعه درقة ثم استتر بها‏,‏ ثم بال‏)‏ وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد‏)‏ والبراز‏:‏ الموضع البارز سمي قضاء الحاجة به لأنها تقضى فيه وعن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب أبعد‏)‏ روى أحاديث هذا الفصل كلها أبو داود وابن ماجه وقال عبد الله بن جعفر‏:‏ ‏(‏كان أحب ما استتر به النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه لحاجته هدف أو حائش نخل‏)‏ رواه ابن ماجه‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يرتاد لبوله موضعا رخوا لئلا يترشش عليه ‏(‏قال أبو موسى كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم‏,‏ فأراد أن يتبول فأتى دمثا في أصل حائط فبال ثم قال إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله‏)‏ رواه الإمام أحمد‏.‏

ويستحب أن يبول قاعدا لئلا يترشش عليه‏,‏ قال ابن مسعود من الجفاء أن تبول وأنت قائم وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما ‏(‏قالت عائشة‏:‏ من حدثكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا أصح شيء في الباب وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة وروى حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أتى سباطة قوم‏,‏ فبال قائما‏)‏ رواه البخاري وغيره ولعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك لتبيين الجواز ولم يفعله إلا مرة واحدة‏,‏ ويحتمل أنه كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه وقيل‏:‏ فعل ذلك لعلة كانت بمأبضه والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روى أبو داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ‏(‏كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض‏)‏ ولأن ذلك أستر له فيكون أولى‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز أن يبول في طريق الناس ولا مورد ماء ولا ظل ينتفع به الناس لما روى معاذ‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اتقوا الملاعن الثلاثة - البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ اتقوا اللعانين قالوا‏:‏ وما اللعانان يا رسول الله‏؟‏ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ‏"‏ أخرجه مسلم والمورد طريق ولا يبول تحت شجرة مثمرة في حال كون الثمرة عليها لئلا تسقط عليه الثمرة فتتنجس به فأما في غير حال الثمرة فلا بأس فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أحب ما استتر به إليه لحاجته هدف أو حائش نخل ولا يبول في الماء الدائم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏نهى عن البول في الماء الراكد‏)‏ متفق عليه ولأن الماء إن كان قليلا تنجس به وإن كان كثيرا‏,‏ فربما تغير بتكرار البول فيه فأما الجاري فلا يجوز التغوط فيه لأنه يؤذي من يمر به وإن بال فيه وهو كثير لا يؤثر فيه البول‏,‏ فلا بأس لأن تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- الراكد بالنهي عن البول فيه دليل على أن الجاري بخلافه ولا يبول على ما نهي عن الاستجمار به لأن هذا أبلغ من الاستجمار به فالنهي ثم تنبيه على تحريم البول عليه ويكره على أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبال في الجحر‏)‏ رواه أبو داود لأن عبد الله بن المغفل قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا يبولن أحدكم في مستحمه‏)‏ ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه أو يكون مسكنا للجن فيتأذى بهم فقد حكي أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام ثم استلقى ميتا فسمعت الجن تقول‏:‏

نحن قتلنا سيد الخزرج ** سعد بن عبادة

ورميناه بسهميـن ** فلم نخطئ فــؤاده

ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه وقال‏:‏ سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول‏:‏ إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس به وقد قيل‏:‏ إن البصاق على البول يورث الوسواس وإن البول على النار يورث السقم وتوقي ذلك كله أولى ويكره أن يتوضأ على موضع بوله‏,‏ أو يستنجي عليه لئلا يتنجس به‏.‏

فصل‏:‏

ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى‏)‏ رواه الطبراني في المعجم ولأنه أسهل لخروج الخارج ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة لأن ذلك يضره‏,‏ وقد قيل‏:‏ إنه يورث الباسور وقيل‏:‏ إنه يدمي الكبد وربما آذى من ينتظره ويستحب أن يغطي رأسه لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولأنه حال كشف العورة فيستحيي فيها ويلبس حذاءه لئلا تتنجس رجلاه ولا يذكر الله تعالى على حاجته إلا بقلبه وكره ذلك ابن عباس وعطاء وعكرمة‏,‏ وقال ابن سيرين والنخعي لا بأس به لأن الله تعالى ذكره محمود على كل حال ولنا‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد السلام في هذه الحال فذكر الله أولى فإذا عطس حمد الله بقلبه ولم يتكلم وقال ابن عقيل‏:‏ فيه رواية أخرى إنه يحمد الله بلسانه والأول أولى لما ذكرناه‏,‏ فإنه إذا لم يرد السلام الواجب فما ليس بواجب أولى ولا يسلم ولا يرد على مسلم لما روى ابن عمر ‏(‏أن رجلا مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلم فلم يرد عليه السلام‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وعن جابر ‏(‏أن رجلا مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول‏,‏ فسلم عليه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك‏)‏ رواه ابن ماجه ولا يتكلم لما روى أبو سعيد قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان‏,‏ فإن الله يمقت على ذلك‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏

إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه وقال أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه‏)‏ رواه ابن ماجه وأبو داود وقال‏:‏ هذا حديث منكر وقيل‏:‏ إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضعه لأن فيه ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏ ثلاثة أسطر فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط‏,‏ أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس قال أحمد الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء وقال عكرمة‏:‏ اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم‏:‏ أرجو أن لا يكون به بأس‏.‏

فصل‏:‏

ويقدم رجله اليسرى في الدخول‏,‏ واليمنى في الخروج ويقول عند دخوله بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم قال أحمد يقول إذا دخل الخلاء‏:‏ أعوذ بالله من الخبث والخبائث وما دخلت قط المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره‏,‏ وعن أنس ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏)‏ متفق عليه وعن علي قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول‏:‏ بسم الله‏)‏ وعن علي قال‏:‏ قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم‏)‏ رواهما ابن ماجه قال أبو عبيد الخبث بسكون الباء الشر والخبائث الشياطين وقيل الخبث بضم الباء والخبائث‏:‏ ذكران الشياطين وإناثهم فإذا خرج من الخلاء قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وروى أنس ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني‏)‏ أخرجه ابن ماجه وقالت عائشة ‏(‏كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال غفرانك‏)‏ قال الترمذي هذا حديث حسن‏.‏

فصل‏:‏

ولا بأس أن يبول في الإناء قالت أميمة بنت رقيقة‏:‏ ‏(‏كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- قدح من عيدان يبول فيه‏,‏ ويضعه تحت السرير‏)‏ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

باب ما ينقض الطهارة

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم‏:‏ والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين‏:‏ معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعا قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي‏,‏ وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة الضرب الثاني‏:‏ نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضا‏,‏ وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحماد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر‏,‏ أشبه الخارج من غير السبيل ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به فينتقض الوضوء بها وقد ‏(‏أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وقد نقل صالح‏,‏ عن أبيه ‏"‏ في المرأة يخرج من فرجها الريح‏:‏ ما خرج من السبيلين ففيه الوضوء وقال القاضي‏:‏ خروج الريح من الذكر وقبل المرأة ينقض الوضوء وقال ابن عقيل‏:‏ يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا في الريح يخرج من الذكر أن لا ينقض لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف ولا جعلها أصحابنا جوفا ولم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه‏,‏ ولا نعلم لهذا وجودا ولا نعلم وجوده في حق أحد وقد قيل‏:‏ إنه يعلم وجوده بأن يحس الإنسان في ذكره دبيبا وهذا لا يصح فإن هذا لا يحصل به اليقين والطهارة لا تنتقض بالشك فإن قدر وجود ذلك يقينا نقض الطهارة لأنه خارج من أحد السبيلين فنقض قياسا على سائر الخوارج‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطر في إحليله دهنا‏,‏ ثم عاد فخرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيل ولا يخلو من بلة نجسة تصحبه فينتقض بها الوضوء كما لو خرجت منفردة ولو احتشى قطنا في ذكره ثم خرج وعليه بلل‏,‏ نقض الوضوء لأنه لو خرج منفردا لنقض فكذلك إذا خرج مع غيره فإن خرج ناشفا ففيه وجهان أحدهما‏,‏ ينقض لأنه خارج من السبيل فأشبه سائر الخوارج والثاني لا ينقض لأنه ليس بين المثانة والجوف منفذ فلا يكون خارجا من الجوف ولو احتقن في دبره‏,‏ فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه فدخل الفرج‏,‏ ثم خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء لأنه خارج من السبيل لا يخلو من بلة تصحبه من الفرج فإن لم يعلما خروج شيء منه احتمل وجهين‏:‏ أحدهما‏,‏ النقض فيهما لأن الغالب أنه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم والثاني لا ينقض لأن الطهارة متيقنة فلا تزول عنها بالشك لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه‏,‏ نقض الوضوء وكذلك لو أدخل فيه ميلا أو غيره ثم أخرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيل‏,‏ فنقض كسائر الخارج‏.‏

فصل‏:‏

قال أبو الحارث سألت أحمد عن رجل به علة ربما ظهرت مقعدته‏؟‏ قال‏:‏ إن علم أنه يظهر معها ندى توضأ وإن لم يعلم فلا شيء عليه ويحتمل أن أحمد إنما أراد ندى ينفصل عنها لأنه خارج من الفرج متصل فنقض كالخارج على الحصى‏,‏ فأما الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض لأنها لا تنفك عن رطوبة فلو نقضت لنقض خروجها على كل حال ولأنه شيء لم ينفصل عنها فلم ينقض كسائر أجزائها‏,‏ وقد قالوا فيمن أخرج لسانه وعليه بلل ثم أدخله وابتلع ذلك البلل‏:‏ أنه لا يفطر لأنه لم يثبت له حكم الانفصال والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

قد ذكرنا أن المذي ينقض الوضوء وهو ما يخرج زلجا متسبسبا عند الشهوة‏,‏ فيكون على رأس الذكر واختلفت الرواية في حكمه فروي أنه يوجب الوضوء وغسل الذكر والأنثيين لما روي ‏(‏أن عليا رضي الله عنه قال‏:‏ كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله‏,‏ فقال يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ‏:‏ ‏"‏ يغسل ذكره ويتوضأ ‏"‏ متفق عليه وفي لفظ توضأ وانضح فرجك ‏"‏ والأمر يقتضي الوجوب ولأنه خارج بسبب الشهوة فأوجب غسلا زائدا على موجب البول كالمني‏,‏ فعلى هذا يجزئه غسلة واحدة لأن المأمور به غسل مطلق فيوجب ما يقع عليه اسم الغسل وقد ثبت في قوله في اللفظ الآخر‏:‏ ‏"‏ وانضح فرجك وسواء غسله قبل الوضوء أو بعده لأنه غسل غير مرتبط بالوضوء فلم يترتب عليه‏,‏ كغسل النجاسة والرواية الثانية لا يجب أكثر من الاستنجاء والوضوء روي ذلك عن ابن عباس وهو قول أكثر أهل العلم‏,‏ وظاهر كلام الخرقي لما روى سهل بن حنيف قال ‏(‏كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الاغتسال‏,‏ فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ إنما يجزئك من ذلك الوضوء‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه خارج لا يوجب الاغتسال فأشبه الودي‏,‏ والأمر بالنضح وغسل الذكر والأنثيين محمول على الاستحباب لأنه يحتمله وقوله ‏"‏ إنما يجزئك من ذلك الوضوء ‏"‏ صريح في حصول الإجزاء بالوضوء فيجب تقديمه فأما الودي فهو ماء أبيض ثخين‏,‏ يخرج بعد البول كدرا فليس فيه وفي بقية الخوارج إلا الوضوء روى الأثرم بإسناده عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ المني والودي والمذي أما المني ففيه الغسل وأما المذي والودي ففيهما إسباغ الطهور‏.‏

مسألة‏:‏

قال وخروج البول والغائط من غير مخرجهما لا تختلف الرواية أن الغائط والبول ينتقض الوضوء بخروجهما من السبيلين ومن غيرهما ويستوي قليلهما وكثيرهما‏,‏ سواء كان السبيلان منسدين أو مفتوحين من فوق المعدة أو من تحتها وقال أصحاب الشافعي‏:‏ إن انسد المخرج وانفتح آخر دون المعدة لزم الوضوء بالخارج منه قولا واحدا وإن انفتح فوق المعدة‏,‏ ففيه قولان‏:‏ أحدهما ينقض الوضوء والثاني لا ينقضه وإن كان المعتاد باقيا‏,‏ فالمشهور أنه لا ينتقض الوضوء بالخارج من غيره وبناه على أصله في أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض ولنا عموم قوله تعالى‏:‏ ‏(‏أو جاء أحد منكم من الغائط‏)‏ وقول صفوان بن عسال ‏(‏أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كنا مسافرين أو سفرا‏,‏ أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وحقيقة الغائط‏:‏ المكان المطمئن سمي الخارج به لمجاورته إياه فإن المتبرز يتحراه لحاجته‏,‏ كما سمي عذرة وهي في الحقيقة فناء الدار لأنه كان يطرح بالأفنية فسمي بها للمجاورة وهذا من الأسماء العرفية التي صار المجاز فيها أشهر من الحقيقة‏,‏ وعند الإطلاق يفهم منه المجاز ويحمل عليه الكلام لشهرته ولأن الخارج غائط وبول فنقض كما لو خرج من السبيل‏.‏

مسألة‏:‏

‏[‏ قال‏:‏ وزوال العقل إلا أن يكون بنوم يسير جالسا أو قائما‏]‏ زوال العقل على ضربين‏:‏ نوم‏,‏ وغيره فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا‏,‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه الضرب الثاني‏:‏ النوم‏,‏ وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وحميد الأعرج‏,‏ أنه لا ينقض وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه‏,‏ والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا‏:‏ قول صفوان بن عسال‏:‏ ‏"‏ لكن من غائط وبول ونوم ‏"‏ وقد ذكرنا أنه صحيح وروى علي رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه ولأن النوم مظنة الحدث فأقم مقامه كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال‏.‏

فصل‏:‏

والنوم ينقسم ثلاثة أقسام نوم المضطجع‏,‏ فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم الثاني نوم القاعد إن كان كثيرا نقض‏,‏ رواية واحدة وإن كان يسيرا لم ينقض وهذا قول حماد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي‏:‏ لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متكئا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض‏,‏ لما روى أنس قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال‏:‏ كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم‏,‏ ثم يصلون ولا يتوضئون وهذا إشارة إلى جميعهم وبه يتخصص عموم الحديثين الأولين ولأنه متحفظ عن خروج الحدث فلم ينقض وضوءه كما لو كان نومه يسيرا ولنا‏:‏ عموم الحديثين الأولين‏,‏ وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم فهو يقين في اليسير‏,‏ فيعمل به وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن ولأن نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه ولا يحس بخروجه منه بخلاف اليسير‏,‏ ولا يصح قياس الكثير على اليسير لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث الثالث ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان‏:‏ إحداهما ينقض وهو قول الشافعي لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص‏,‏ ولا هو في معنى المنصوص لكون القاعد متحفظا لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض‏,‏ والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما والثانية لا ينقض إلا إذا كثر وذهب أبو حنيفة إلى أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر لما روى ابن عباس ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي فقلت له‏:‏ صليت ولم تتوضأ وقد نمت‏,‏ فقال‏:‏ إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله‏)‏ رواه أبو داود ولأنه حال من أحوال الصلاة فأشبهت حال الجلوس والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس لأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث لعدم التمكن من الاستثقال في النوم‏,‏ فإنه لو استثقل لسقط والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع لأنه ينفرج محل الحدث ويعتمد بأعضائه على الأرض ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع والحديث الذي ذكروه منكر قاله أبو داود وقال ابن المنذر‏:‏ لا يثبت‏,‏ وهو مرسل يرويه قتادة عن أبي العالية قال شعبة‏:‏ لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها‏.‏

فصل‏:‏

واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه‏:‏ لا ينقض يسيره قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد قيل له‏:‏ الوضوء من النوم‏؟‏ قال إذا طال قيل‏:‏ فالمحتبي‏؟‏ قال‏:‏ يتوضأ قيل‏:‏ فالمتكئ‏؟‏ قال الاتكاء شديد والمتساند كأنه أشد يعني من الاحتباء ورأى منها كلها الوضوء إلا أن يغفو يعني قليلا وعنه‏:‏ ينقض يعني بكل حال لأنه معتمد على شيء‏,‏ فهو كالمضطجع والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله‏.‏

فصل‏:‏

واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء فقال القاضي‏:‏ ليس للقليل حد يرجع إليه وهو على ما جرت به العادة وقيل‏:‏ حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته‏,‏ مثل أن يسقط على الأرض ومنها أن يرى حلما والصحيح‏:‏ أنه لا حد له لأن التحديد إنما يعلم بتوقيف ولا توقيف في هذا‏,‏ فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوءه وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوءه لأن الطهارة متيقنة‏,‏ فلا تزول بالشك‏.‏

فصل‏:‏

ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه لأن النوم الغلبة على العقل قال بعض أهل اللغة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏ السنة‏:‏ ابتداء النعاس في الرأس فإذا وصل إلى القلب صار نوما قال الشاعر‏:‏

وسنان أقصده النعاس فرنقت ** في عينه سنة وليس بنائم

ولأن الناقض زوال العقل‏,‏ ومتى كان العقل ثابتا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض في حقه وإن شك هل نام أم لا أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا أو حديث نفس‏,‏ فلا وضوء عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ والارتداد عن الإسلام وجملة ذلك أن الردة تنقض الوضوء وتبطل التيمم وهذا قول الأوزاعي وأبي ثور وهي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام إما نطقا أو اعتقادا‏,‏ أو شكا ينقل عن الإسلام فمتى عاود إسلامه ورجع إلى دين الحق فليس له الصلاة حتى يتوضأ‏,‏ وإن كان متوضئا قبل ردته وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي‏:‏ لا يبطل الوضوء بذلك وللشافعي في بطلان التيمم به قولان لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم‏}‏ فشرط الموت ولأنها طهارة فلا تبطل بالردة‏,‏ كالغسل من الجنابة ولنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لئن أشركت ليحبطن عملك‏}‏ والطهارة عمل وهي باقية حكما تبطل بمبطلاتها فيجب أن تحبط بالشرك ولأنها عبادة يفسدها الحدث فأفسدها الشرك كالصلاة والتيمم ولأن الردة حدث‏,‏ بدليل قول ابن عباس الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان وإذا أحدث لم تقبل صلاته بغير وضوء لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‏)‏ متفق عليه وما ذكروه تمسك بدليل الخطاب‏,‏ والمنطوق مقدم عليه ولأنه شرط الموت لجميع المذكور في الآية وهو حبوط العمل والخلود في النار وأما غسل الجنابة فلا يتصور فيه الإبطال‏,‏ وإنما يجب الغسل بسبب جديد يوجبه وهنا يجب الغسل أيضا عند من أوجب على من أسلم الغسل‏.‏

فصل‏:‏

ولا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكلام من الكذب والغيبة‏,‏ والرفث والقذف وغيرها نص عليه أحمد وقال ابن المنذر‏:‏ أجمع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الزور‏,‏ والكذب والغيبة لا توجب طهارة ولا تنقض وضوءا‏,‏ وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث وذلك استحباب عندنا ممن أمر به ولا نعلم حجة توجب وضوءا في شيء من الكلام‏,‏ وقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من حلف باللات والعزى فليقل‏:‏ لا إله إلا الله‏)‏ ولم يأمر في ذلك بوضوء‏.‏

فصل‏:‏

وليس في القهقهة وضوء روي ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أصحاب الرأي: يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها وروي ذلك عن الحسن والنخعي والثوري لما روى أبو العالية (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي فجا">فصل‏:‏ وليس في القهقهة وضوء روي ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أصحاب الرأي‏:‏ يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها وروي ذلك عن الحسن والنخعي والثوري لما روى أبو العالية ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي فجاء ضرير فتردى في بئر فضحك طوائف فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة‏)‏ وروي من غير طريق أبي العالية بأسانيد ضعاف‏,‏ وحاصله يرجع إلى أبي العالية كذلك قال عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد‏,‏ والدارقطني ولنا‏:‏ أنه معنى لا يبطل الوضوء خارج الصلاة فلم يبطله داخلها كالكلام وأنه ليس بحدث ولا يفضي إليه فأشبه سائر ما لا يبطل ولأن الوجوب من الشارع ولم ينص عن الشارع في هذا إيجاب الوضوء‏,‏ ولا في شيء يقاس هذا عليه وما رووه مرسل لا يثبت وقد قال ابن سيرين‏:‏ لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا والمخالف في هذه المسألة يرد الأخبار الصحيحة لمخالفتها الأصول فكيف يخالفها ها هنا بهذا الخبر الضعيف عند أهل المعرفة‏.

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومس الفرج الفرج اسم لمخرج الحدث‏,‏ ويتناول الذكر والدبر وقبل المرأة وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وغيره فنذكره إن شاء الله مفصلا‏:‏ ونبدأ بالكلام في مس الذكر فإنه آكدها فعن أحمد فيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ ينقض الوضوء وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وأبان بن عثمان وعروة وسليمان بن يسار والزهري والأوزاعي والشافعي وهو المشهور عن مالك وقد روي أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن سيرين وأبي العالية والرواية الثانية‏,‏ لا وضوء فيه روي ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء وبه قال ربيعة والثوري وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏قدمنا على نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل كأنه بدوي فقال‏:‏ يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ‏؟‏ فقال وهل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك‏)‏ رواه أبو داود والنسائي‏,‏ والترمذي وابن ماجه ولأنه عضو منه فكان كسائره‏,‏ ووجه الرواية الأولى ما روت بسرة بنت صفوان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من مس ذكره فليتوضأ‏)‏ وعن جابر مثل ذلك وعن أم حبيبة وأبي أيوب قالا‏:‏ سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏من مس فرجه فليتوضأ‏)‏ وفي الباب عن أبي هريرة رواهن ابن ماجه وقال أحمد حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان وقال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح وقال البخاري‏:‏ أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة أيضا صحيح وقد روي عن بضعة عشر من الصحابة رضوان الله عليهم فأما خبر قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم‏:‏ قيس ممن لا تقوم بروايته حجة ثم إن حديثنا متأخر لأن أبا هريرة قد رواه‏,‏ وهو متأخر الإسلام صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع سنين وكان قدوم طلق على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم يؤسسون المسجد أول زمن الهجرة‏,‏ فيكون حديثنا ناسخا له وقياس الذكر على سائر البدن لا يستقيم لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك‏.‏

فصل‏:‏

فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره وبه قال الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو أيوب وأبو خيثمة لعموم الخبر‏,‏ وعن أحمد‏:‏ لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصدا مسه قال أحمد بن الحسين‏:‏ قيل لأحمد الوضوء من مس الذكر‏:‏ فقال‏:‏ هكذا - وقبض على يده - يعني إذا قبض عليه وهذا قول مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل قالوا‏:‏ إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شيء عليه لأنه لمس‏,‏ فلا ينقض الوضوء من غير قصد كلمس النساء‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين بطن الكف وظهره وهذا قول عطاء والأوزاعي وقال مالك والليث والشافعي وإسحاق‏:‏ لا ينقض مسه إلا بباطن كفه لأن ظاهر الكف ليس بآلة للمس فأشبه ما لو مسه بفخذه واحتج أحمد بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس بينهما سترة فليتوضأ‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء‏)‏ رواه الشافعي في مسنده وظاهر كفه من يده والإفضاء‏:‏ اللمس من غير حائل ولأنه جزء من يده تتعلق به الأحكام المعلقة على مطلق اليد‏,‏ فأشبه باطن الكف‏.‏

فصل‏:‏

ولا ينقض مسه بذراعه وعن أحمد أنه ينقض لأنه من يده وهو قول عطاء والأوزاعي والصحيح الأول لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع لا يتجاوز الكوع بدليل قطع السارق‏,‏ وغسل اليد من نوم الليل والمسح في التيمم وإنما وجب غسله في الوضوء لأنه قيده بالمرافق ولأنه ليس بآلة للمس‏,‏ أشبه العضد وكونه من يده يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين ذكره وذكر غيره وقال داود‏:‏ لا ينقض مس ذكر غيره لأنه لا نص فيه والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه‏,‏ فيقتصر عليه ولنا أن مس ذكر غيره معصية وأدعى إلى الشهوة وخروج الخارج‏,‏ وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فبمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل‏,‏ وفي بعض ألفاظ خبر بسرة‏:‏ ‏"‏ من مس الذكر فليتوضأ ‏"‏‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وعن الزهري والأوزاعي‏:‏ لا وضوء على من مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه قبل زبيبة الحسن وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ‏)‏ ولنا عموم قوله‏:‏ ‏"‏ من مس الذكر فليتوضأ ‏"‏ ولأنه ذكر آدمي متصل به أشبه الكبير‏,‏ والخبر ليس بثابت ثم إن نقض اللمس لا يلزم منه كون القبلة ناقضة ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه وجواز اللمس والنظر يبطل بذكر نفسه‏.‏

فصل‏:‏

وفرج الميت كفرج الحي لبقاء الاسم والحرمة‏,‏ لاتصاله بجملة الآدمي وهو قول الشافعي وقال إسحاق‏:‏ لا وضوء عليه وفي الذكر المقطوع وجهان‏:‏ أحدهما ينقض لبقاء اسم الذكر والآخر لا ينقض لذهاب الحرمة‏,‏ وعدم الشهوة بمسه فأشبه ثيل الجمل ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها انتقض وضوءه لأنها من جلدة الذكر وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة‏.‏

فصل‏:‏

فأما مس حلقة الدبر‏,‏ فعنه روايتان أيضا‏:‏ إحداهما لا ينقض الوضوء وهو مذهب مالك قال الخلال‏:‏ العمل والأشيع في قوله وحجته أنه لا يتوضأ من مس الدبر لأن المشهور من الحديث‏:‏ ‏"‏ من مس ذكره فليتوضأ ‏"‏ وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج والثانية ينقض نقلها أبو داود وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي لعموم قوله‏:‏ ‏"‏ من مس فرجه فليتوضأ ‏"‏ ولأنه أحد الفرجين‏,‏ أشبه الذكر‏.‏

فصل‏:‏

وفي مس المرأة فرجها أيضا روايتان‏:‏ إحداهما ينقض لعموم قوله‏:‏ ‏"‏ من مس فرجه فليتوضأ ‏"‏ وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ‏)‏ ولأنها آدمي مس فرجه فانتقض وضوءه كالرجل والأخرى لا ينتقض قال المروذي‏:‏ قيل لأبي عبد الله فالجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء‏؟‏ قال‏:‏ لم أسمع في هذا بشيء قلت لأبي عبد الله‏:‏ حديث عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ‏"‏ فتبسم‏,‏ وقال‏:‏ هذا حديث الزبيدي وليس إسناده بذاك ولأن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه لكونه لا يدعو إلى خروج خارج‏,‏ فلم ينقض‏.‏

فصل‏:‏

فأما لمس فرج الخنثى المشكل فلا يخلو من أن يكون اللمس منه أو من غيره فإن كان اللمس منه فلمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه لأنه يحتمل أن يكون الملموس خلقة زائدة وإن لمسهما جميعا وقلنا‏:‏ لا ينقض وضوء المرأة مس فرجها لم ينتقض وضوءه لجواز أن يكون امرأة مست فرجها‏,‏ أو خلقة زائدة وإن قلنا‏:‏ ينقض انتقض وضوءه لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا وإن كان اللامس رجلا‏,‏ فمس الذكر لغير شهوة لم ينتقض وضوءه وإن مسه لشهوة انتقض وضوءه في ظاهر المذهب فإنه إن كان ذكرا فقد مسه وإن كان أنثى فقد مسها لشهوة وإن مس قبل المرأة لم ينتقض وضوءه لجواز أن يكون خلقة زائدة من رجل وإن مسهما جميعا لشهوة‏,‏ انتقض وضوءه لما ذكرنا في الذكر وإن كان لغير شهوة انتقض وضوءه في الظاهر لأنه لا يخلو من أن يكون مس ذكر رجل أو فرج امرأة وإن كان اللامس امرأة فلمست أحدهما لغير شهوة‏,‏ لم ينتقض وضوءها وإن لمست الذكر لشهوة لم ينتقض وضوءها لجواز أن يكون خلقة زائدة من امرأة فإن مست فرج المرأة لشهوة انبنى على مس المرأة الرجل لشهوة‏,‏ فإن قلنا ينقض انتقض وضوءها ها هنا لذلك وإلا لم ينتقض وإن مستهما جميعا لغير شهوة وقلنا‏:‏ إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء انتقض وضوءها ها هنا وإلا فلا وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوءه‏,‏ إلا أن يجمع بين الفرجين في اللمس ولو مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس منهما لشهوة‏,‏ أو لغيرها فلا وضوء على واحد منهما لأن كل واحد منهما على انفراده يقين الطهارة باق في حقه والحدث مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك لأنه يحتمل أن يكونا جميعا امرأتين فلا ينتقض وضوء لامس الذكر‏,‏ ويحتمل أن يكونا رجلين فلا ينتقض وضوء لامس الفرج وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر احتمل أن يكونا امرأتين‏,‏ وقد مس كل واحد منهما خلقة زائدة من الآخر وإن مس كل واحد منهما قبل الآخر احتمل أن يكونا رجلين‏.‏

فصل‏:‏

ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالرفغ والأنثيين والإبط‏,‏ في قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن عروة قال‏:‏ من مس أنثييه فليتوضأ وقال الزهري‏:‏ أحب إلى أن يتوضأ وقال عكرمة‏:‏ من مس ما بين الفرجين فليتوضأ وقول الجمهور أولى لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه ولا ينتقض وضوء الملموس أيضا لأن الوجوب من الشرع وإنما وردت السنة في اللامس ولا ينتقض الوضوء بمس فرج بهيمة‏,‏ وقال الليث بن سعد‏:‏ عليه الوضوء وقال عطاء‏:‏ من مس قنب حمار عليه الوضوء‏,‏ ومن مس ثيل جمل لا وضوء عليه وما قلناه قول جمهور العلماء وهو أولى لأن هذا ليس بمنصوص على النقض به ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا وجه للقول به‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ القيء الفاحش والدم الفاحش والدود الفاحش يخرج من الجروح وجملته أن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين‏:‏ طاهرا ونجسا فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما‏,‏ والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وكان مالك وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر‏,‏ لا يوجبون منه وضوءا وقال مكحول‏:‏ لا وضوء إلا فيما خرج من قبل أو دبر لأنه خارج من غير المخرج مع بقاء المخرج‏,‏ فلم يتعلق به نقض الطهارة كالبصاق ولأنه لا نص فيه ولا يمكن قياسه على محل النص‏,‏ وهو الخارج من السبيلين لكون الحكم فيه غير معلل ولأنه لا يفترق الحال بين قليله وكثيره وطاهره ونجسه وها هنا بخلافه‏,‏ فامتنع القياس ولنا‏:‏ ما روى أبو الدرداء‏:‏ ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال ثوبان‏:‏ صدق أنا صببت له وضوءه‏)‏ رواه الأثرم والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ هذا أصح شيء في هذا الباب قيل لأحمد‏:‏ حديث ثوبان ثبت عندك‏؟‏ قال‏:‏ نعم وروى الخلال بإسناده عن ابن جريج عن أبيه‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏"‏ إذا قلس أحدكم فليتوضأ ‏"‏ قال ابن جريج‏:‏ وحدثني ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة‏,‏ ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فيكون إجماعا ولأنه خارج يلحقه حكم التطهير فنقض الوضوء كالخارج من السبيل وقياسهم منقوض بما إذا انفتح مخرج دون المعدة‏.‏

فصل‏:‏

وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير‏,‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ فيه رواية أخرى أن اليسير ينقض ولا نعرف هذه الرواية ولم يذكرها الخلال في ‏"‏ جامعه ‏"‏ إلا في القلس‏,‏ واطرحها وقال القاضي‏:‏ لا ينقض رواية واحدة وهو المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم قال ابن عباس في الدم‏:‏ إذا كان فاحشا فعليه الإعادة وابن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلى وابن عمر عصر بثرة فخرج دم‏,‏ وصلى ولم يتوضأ قال أبو عبد الله‏:‏ عدة من الصحابة تكلموا فيه وأبو هريرة كان يدخل أصابعه في أنفه وابن عمر عصر بثرة وابن أبي أوفى عصر دملا وابن عباس قال‏:‏ إذا كان فاحشا وجابر أدخل أصابعه في أنفه‏,‏ وابن المسيب أدخل أصابعه العشرة في أنفه وأخرجها متلطخة بالدم يعني‏:‏ وهو في الصلاة وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا سال الدم ففيه الوضوء وإن وقف على رأس الجرح‏,‏ لم يجب لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ‏)‏ ولنا ما روينا عن الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا وقد روى الدارقطني بإسناده‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏ليس الوضوء من القطرة والقطرتين‏)‏ وحديثهم لا تعرف صحته ولم يذكره أصحاب السنن وقد تركوا العمل به‏,‏ فإنهم قالوا‏:‏ إذا كان دون ملء الفم لم يجب الوضوء منه‏.‏

فصل‏:‏

وظاهر مذهب أحمد أن الكثير الذي ينقض الوضوء لا حد له أكثر من أنه يكون فاحشا وقيل‏:‏ يا أبا عبد الله ما قدر الفاحش‏؟‏ قال‏:‏ ما فحش في قلبك وقيل له‏:‏ مثل أي شيء يكون الفاحش‏؟‏ قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ ما فحش في قلبك وقد نقل عنه أنه سئل‏:‏ كم الكثير‏؟‏ فقال‏:‏ شبر في شبر وفي موضع قال‏:‏ قدر الكف فاحش وفي موضع قال‏:‏ الذي يوجب الوضوء من ذلك إذا كان مقدار ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس من القيح والصديد والقيء‏,‏ فلا بأس به فقيل له‏:‏ إن كان مقدار عشرة أصابع‏؟‏ فرآه كثيرا قال الخلال‏:‏ والذي استقر عليه قوله في الفاحش أنه على قدر ما يستفحشه كل إنسان في نفسه قال ابن عقيل‏:‏ إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين‏,‏ ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه نفوس أوساط الناس ونص أحمد في هذا كما حكيناه وذهب إلى قول ابن عباس رضي الله عنه

فصل‏:‏

والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا‏,‏ وأسهل وأخف منه حكما عند أبي عبد الله لوقوع الاختلاف فيه فإنه روي عن ابن عمر والحسن أنهم لم يروا القيح والصديد كالدم وقال أبو مجلز في الصديد‏:‏ لا شيء إنما ذكر الله الدم المسفوح‏,‏ وقال الأوزاعي في قرحة سال منها كغسالة اللحم‏:‏ لا وضوء فيه وقال إسحاق‏:‏ كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءا وقال مجاهد وعطاء وعروة والشعبي والزهري وقتادة والحكم والليث‏:‏ القيح بمنزلة الدم فلذلك خف حكمه عنده واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه ولكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم‏.‏

فصل‏:‏

والقلس كالدم‏,‏ ينقض الوضوء منه ما فحش قال الخلال الذي أجمع عليه أصحاب أبي عبد الله عنه أنه إذا كان فاحشا أعاد الوضوء منه وقد حكي عنه فيه الوضوء إذا ملأ الفم وقيل عنه إذا كان أقل من نصف الفم لا يتوضأ والأول المذهب وكذلك الحكم في الدود الخارج من الجسد‏,‏ إذا كان كثيرا نقض الوضوء وإن كان يسيرا لم ينقض‏,‏ والكثير ما فحش في النفس‏.‏

فصل‏:‏

فأما الجشاء فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافا قال مهنا‏:‏ سألت أبا عبد الله عن الرجل يخرج من فيه الريح مثل الجشاء الكثير‏؟‏ قال لا وضوء عليه وكذلك النخاعة لا وضوء فيها سواء كانت من الرأس أو الصدر لأنها طاهرة أشبهت البصاق‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وأكل لحم الجزور وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا‏,‏ عالما كان أو جاهلا وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي‏:‏ ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن عباس‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏الوضوء مما يخرج لا مما يدخل‏)‏ وروي عن جابر قال‏:‏ ‏(‏كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار‏)‏ رواه أبو داود ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال‏:‏ في الذي يأكل من لحوم الإبل‏:‏ إن كان لا يعلم ليس عليه وضوء وإن كان الرجل قد علم وسمع‏,‏ فهذا عليه واجب لأنه قد علم فليس هو كمن لا يعلم ولا يدري قال الخلال‏:‏ وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله في هذا الباب ولنا‏:‏ ما روى البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لحوم الإبل فقال‏:‏ توضئوا منها وسئل عن لحوم الغنم‏,‏ فقال‏:‏ لا يتوضأ منها‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وروى جابر بن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله أخرجه مسلم‏,‏ وروى الإمام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير وقال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏توضئوا من لحوم الإبل‏,‏ ولا تتوضئوا من لحوم الغنم‏)‏ وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك قال أحمد‏,‏ وإسحاق وابن راهويه‏:‏ فيه حديثان صحيحان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوف عليه‏,‏ ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل‏:‏ فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا‏:‏ لا يصح النسخ به لوجوه أربعة أحدها‏,‏ أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي‏,‏ وإما أن يكون بشيء قبله فإن كان به فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به‏؟‏ ومن شروط النسخ تأخر الناسخ وإن كان النسخ قبله‏,‏ لم يجز أن ينسخ بما قبله الثاني أن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار‏,‏ ولهذا ينقض وإن كان نيئا فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى كما لو حرمت المرأة للرضاع‏,‏ ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع لم يكن نسخا لتحريم الربيبة الثالث أن خبرهم عام وخبرنا خاص‏,‏ والعام لا ينسخ به الخاص لأن من شروط النسخ تعذر الجمع والجمع بين الخاص والعام ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص الرابع‏:‏ أن خبرنا صحيح مستفيض ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص‏,‏ وخبرهم ضعيف لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه فلا يجوز أن يكون ناسخا له فإن قيل‏:‏ الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب فنحمله عليه ويحتمل أنه أراد بالوضوء قبل الطعام وبعده غسل اليدين لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام‏,‏ اقتضى غسل اليد كما كان عليه السلام يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏,‏ أن مقتضى الأمر الوجوب الثاني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيسا على السائل‏,‏ لا جوابا الثالث أنه عليه السلام قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ها هنا نفي الإيجاب لا التحريم‏,‏ فيتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة‏:‏ أحدها‏:‏ أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب فإن غسل اليد بمفرده غير واجب‏,‏ وقد بينا فساده الثاني‏:‏ أن الوضوء إذا جاء على لسان الشارع وجب حمله على الموضوع الشرعي دون اللغوي لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته الثالث‏:‏ أنه خرج جوابا لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها‏,‏ والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة الرابع‏:‏ أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منهما مستحب ولهذا قال‏:‏ ‏"‏ من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ‏"‏ وما ذكره من زيادة الزهومة فأمر يسير لا يقتضي التفريق والله أعلم ثم لا بد من دليل نصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة الظواهر المتروكة‏,‏ وأقوى منها وليس لهم دليل وقياسهم فاسد فإنه طردي لا معنى فيه‏,‏ وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضي لا لكونه مأكولا فلا أثر لكونه مأكولا‏,‏ ووجوده كعدمه ومن العجب أن مخالفينا في هذه المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الأصول فأبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث من مراسيل أبي العالية ومالك والشافعي أوجباه بمس الذكر‏,‏ بحديث مختلف فيه معارض بمثله دون مس بقية الأعضاء وتركوا هذا الحديث الصحيح الذي لا معارض له‏,‏ مع بعده عن التأويل وقوة الدلالة فيه لمخالفته لقياس طردي‏.‏

فصل‏:‏

وفي شرب لبن الإبل روايتان‏:‏ إحداهما ينقض الوضوء لما روى أسيد بن حضير‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏توضئوا من لحوم الإبل وألبانها‏)‏ رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن ألبان الإبل فقال‏:‏ توضئوا من ألبانها ‏"‏ وسئل عن ألبان الغنم فقال‏:‏ ‏"‏ لا تتوضئوا من ألبانها ‏"‏ رواه ابن ماجه‏,‏ وروي نحوه عن عبد الله بن عمرو والثانية لا وضوء فيه لأن الحديث الصحيح إنما ورد في اللحم وقولهم‏:‏ فيه حديثان صحيحان يدل على أنه لا صحيح فيه سواهما والحكم ها هنا غير معقول‏,‏ فيجب الاقتصار على مورد النص فيه وفيما سوى اللحم من أجزاء البعير من كبده وطحاله وسنامه‏,‏ ودهنه ومرقه وكرشه‏,‏ ومصرانه وجهان‏:‏ أحدهما لا ينقض لأن النص لم يتناوله‏,‏ والثاني ينقض لأنه من جملة الجزور وإطلاق اللحم في الحيوان يراد به جملته لأنه أكثر ما فيه ولذلك لما حرم الله تعالى لحم الخنزير كان تحريما لجملته‏,‏ كذا ها هنا‏.‏

فصل‏:‏

وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسته النار أو لم تمسه هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وأبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي الدرداء وأبي أمامة‏,‏ وعامة الفقهاء ولا نعلم اليوم فيه خلافا وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء مما غيرت النار منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو طلحة وأبو موسى وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن والزهري لما روى أبو هريرة‏,‏ وزيد وعائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏توضئوا مما مست النار‏)‏ وفي لفظ ‏(‏إنما الوضوء مما مست النار‏)‏ رواهن مسلم ولنا‏:‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ولا تتوضئوا من لحوم الغنم‏)‏ وقول جابر ‏(‏كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والنسائي‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وغسل الميت اختلف أصحابنا في وجوب الوضوء من غسل الميت فقال أكثرهم بوجوبه سواء كان المغسول صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى‏,‏ مسلما أو كافرا وهو قول إسحاق والنخعي وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة فروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وعن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت فكان مظنة ذلك قائما مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث وقال أبو الحسن التميمي‏:‏ لا وضوء فيه وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص‏,‏ ولا هو في معنى المنصوص عليه فبقي على الأصل ولأنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي وما روي عن أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب فإن كلامه يقتضي نفي الوجوب فإنه ترك العمل بالحديث المروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من غسل ميتا فليغتسل‏)‏ وعلل ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة فإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة‏,‏ مع احتمال أن يكون من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولى وأحرى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وملاقاة جسم الرجل للمرأة لشهوة المشهور من مذهب أحمد -رحمه الله- ‏,‏ أن لمس النساء لشهوة ينقض الوضوء ولا ينقضه لغير شهوة وهذا قول علقمة وأبي عبيدة والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق والشعبي فإنهم قالوا‏:‏ يجب الوضوء على من قبل لشهوة‏,‏ ولا يجب على من قبل لرحمة وممن أوجب الوضوء في القبلة ابن مسعود وابن عمر والزهري وزيد بن أسلم ومكحول ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي قال أحمد‏:‏ المدنيون والكوفيون ما زالوا يرون أن القبلة من اللمس تنقض الوضوء حتى كان بآخرة وصار فيهم أبو حنيفة فقالوا‏:‏ لا تنقض الوضوء ويأخذون بحديث عروة‏,‏ ونرى أنه غلط وعن أحمد رواية ثانية لا ينقض اللمس بحال وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن ومسروق وبه قال أبو حنيفة‏:‏ إلا أن يطأها دون الفرج فينتشر فيها لما روى حبيب‏,‏ عن عروة عن عائشة ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل امرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة‏,‏ ولم يتوضأ‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وهو حديث مشهور رواه إبراهيم التيمي عن عائشة أيضا‏,‏ ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد بهذا شرع ولا هو في معنى ما ورد الشرع به‏,‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أو لامستم النساء‏}‏ أراد به الجماع بدليل أن المس أريد به الجماع فكذلك اللمس ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين‏,‏ وعن أحمد رواية ثالثة أن اللمس ينقض بكل حال وهو مذهب الشافعي لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو لامستم النساء‏}‏ وحقيقة اللمس ملاقاة البشرتين‏,‏ قال الله تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا‏:‏ ‏{‏وأنا لمسنا السماء‏}‏ وقال الشاعر‏:‏

لمست بكفي كفه أطلب الغنى

وقرأها ابن مسعود‏:‏ ‏{‏أو لامستم النساء‏}‏ وأما حديث القبلة فكل طرقه معلولة قال يحيى بن سعيد‏:‏ احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء وقال أحمد‏:‏ نرى أنه غلط الحديثين جميعا - يعني حديث إبراهيم التيمي وحديث عروة فإن إبراهيم التيمي لا يصح سماعه من عائشة وعروة المذكور ها هنا عروة المزني‏,‏ ولم يدرك عائشة كذلك قاله سفيان الثوري قال‏:‏ ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ليس هو عروة بن الزبير وقال إسحاق‏:‏ لا تظنوا أن حبيبا لقي عروة وقال‏:‏ وقد يمكن أن يقبل الرجل امرأته لغير شهوة برا بها وإكراما لها‏,‏ ورحمة ألا ترى إلى ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قدم من سفر فقبل فاطمة فالقبلة تكون لشهوة ولغير شهوة ويحتمل أنه قبلها من وراء حائل واللمس لغير شهوة لا ينقض‏,‏ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمس زوجته في الصلاة وتمسه ولو كان ناقضا للوضوء لم يفعله ‏(‏قالت عائشة إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي‏)‏ متفق عليه وفي حديث آخر فإذا أراد أن يوتر مسني برجله وروى الحسن قال‏:‏ ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا في مسجده في الصلاة فقبض على قدم عائشة غير متلذذ‏)‏ رواه إسحاق بإسناده والنسائي وعن عائشة ‏(‏قالت فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فجعلت أطلبه‏,‏ فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد وهو يقول‏:‏ أعوذ برضاك من سخطك‏,‏ وبمعافاتك من عقوبتك‏)‏ رواهما النسائي ورواه مسلم ‏(‏وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حاملا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا سجد وضعها وإذا قام حملها‏)‏ متفق عليه والظاهر أنه لا يسلم من مسها ولأنه لمس لغير شهوة فلم ينقض‏,‏ كلمس ذوات المحارم يحققه أن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما نقض لأنه يفضي إلى خروج المذي أو المني فاعتبرت الحالة التي تفضي إلى الحدث فيها وهي حالة الشهوة‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين الأجنبية وذات المحرم‏,‏ والكبيرة والصغيرة وقال الشافعي‏:‏ لا ينقض لمس ذوات المحارم ولا الصغيرة في أحد القولين لأن لمسهما لا يفضي إلى خروج خارج‏,‏ أشبه لمس الرجل الرجل ولنا عموم النص واللمس الناقض تعتبر فيه الشهوة‏,‏ ومتى وجدت الشهوة فلا فرق بين الجميع فأما لمس الميتة ففيه وجهان‏:‏ أحدهما ينقض لعموم الآية والثاني‏,‏ لا ينقض اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل لأنها ليست محلا للشهوة فهي كالرجل‏.‏

فصل‏:‏

ولا يختص اللمس الناقض باليد بل أي شيء منه لاقى شيئا من بشرتها مع الشهوة‏,‏ انتقض وضوءه به سواء كان عضوا أصليا أو زائدا وحكي عن الأوزاعي‏:‏ لا ينقض اللمس إلا بأحد أعضاء الوضوء ولنا‏,‏ عموم النص والتخصيص بغير دليل تحكم لا يصار إليه ولا ينقض مس شعر المرأة ولا ظفرها‏,‏ ولا سنها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولا ينقض لمسها بشعره ولا سنه ولا ظفره لأن ذلك مما لا يقع الطلاق على المرأة بتطليقه ولا الظهار ولا ينجس الشعر بموت الحيوان ولا بقطعه منه في حياته‏.‏

فصل‏:‏

وإن لمسها من وراء حائل‏,‏ لم ينتقض وضوءه في قول أكثر أهل العلم وقال مالك والليث ينقض إن كان ثوبا رقيقا وكذلك قال ربيعة‏:‏ إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوة لأن الشهوة موجودة وقال المروذي‏:‏ لا نعلم أحدا قال ذلك غير مالك والليث لنا أنه لم يلمس جسم المرأة فأشبه ما لو لمس ثيابها‏,‏ والشهوة بمجردها لا تكفي كما لو مس رجلا بشهوة أو وجدت الشهوة من غير لمس‏.‏

فصل‏:‏

وإن لمست امرأة رجلا‏,‏ ووجدت الشهوة منهما فظاهر كلام الخرقي نقض وضوئهما بملاقاة بشرتهما وقد سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها‏؟‏ قال‏:‏ ما سمعت فيه شيئا‏,‏ ولكن هي شقيقة الرجل يعجبني أن تتوضأ لأن المرأة أحد المشتركين في اللمس فهي كالرجل وينتقض وضوء الملموس إذا وجدت منه الشهوة لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين لا فرق فيه بين اللامس والملموس‏,‏ كالتقاء الختانين وفيه رواية أخرى‏:‏ لا ينتقض وضوء المرأة ولا وضوء الملموس وللشافعي قولان كالروايتين ووجه عدم النقض أن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء فيتناول اللامس من الرجال‏,‏ فيختص به النقض كلمس الفرج ولأن المرأة والملموس لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض‏,‏ فأقيم مقامه ولا يوجد ذلك في حق المرأة والشهوة من اللامس أشد منها في الملموس‏,‏ وأدعى إلى الخروج فلا يصح القياس عليهما وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل‏.‏

فصل‏:‏

ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة لزوال الاسم‏,‏ وخروجه عن أن يكون محلا للشهوة ولا بمس رجل ولا صبي ولا بمس المرأة المرأة لأنه ليس بداخل في الآية ولا هو في معنى ما في الآية لأن المرأة محل لشهوة الرجل شرعا وطبعا وهذا بخلافه ولا بمس البهيمة لذلك ولا بمس خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا ولا امرأة ولا بمس الخنثى لرجل أو امرأة لذلك‏,‏ والأصل الطهارة فلا تزول بالشك ولا أعلم في هذا كله خلافا والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث‏,‏ أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما يعني‏:‏ إذا علم أنه توضأ وشك هل أحدث‏,‏ أو لا بنى على أنه متطهر وإن كان محدثا فشك هل توضأ أو لا‏,‏ فهو محدث يبني في الحالتين على ما علمه قبل الشك ويلغي الشك وبهذا قال الثوري وأهل العراق والأوزاعي والشافعي وسائر أهل العلم فيما علمنا إلا الحسن ومالكا‏,‏ فإن الحسن قال‏:‏ إن شك في الحدث في الصلاة مضى فيها وإن كان قبل الدخول فيها‏,‏ توضأ وقال مالك‏:‏ إن شك في الحدث إن كان يلحقه كثيرا فهو على وضوئه وإن كان لا يلحقه كثيرا توضأ لأنه لا يدخل في الصلاة مع الشك ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال‏:‏ ‏(‏شكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه وهو في الصلاة أنه يجد الشيء‏,‏ قال‏:‏ لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا‏)‏ متفق عليه ولمسلم عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه أم لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا‏)‏ ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران‏,‏ فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى التيقن‏,‏ ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده لأن غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لا يلتفت إليها‏,‏ كما لا يلتفت الحاكم إلى قول أحد المتداعيين إذا غلب على ظنه صدقه بغير دليل

فصل‏:‏

إذا تيقن الطهارة والحدث معا ولم يعلم الآخر منهما مثل من تيقن أنه كان في وقت الظهر متطهرا مرة ومحدثا أخرى‏,‏ ولا يعلم أيهما كان بعد صاحبه فإنه يرجع إلى حاله قبل الزوال فإن كان محدثا فهو الآن متطهر لأنه متيقن أنه قد انتقل عن هذا الحدث إلى الطهارة ولم يتيقن زوالها‏,‏ والحدث المتيقن بعد الزوال يحتمل أن يكون قبل الطهارة ويحتمل أن يكون بعدها فوجوده بعدها مشكوك فيه‏,‏ فلا يزول عن طهارة متيقنة بشك كما لو شهدت بينة لرجل أنه وفي زيدا حقه وهو مائة فأقام المشهود عليه بينة بإقرار خصمه له بمائة‏,‏ لم يثبت له بها حق لاحتمال أن يكون إقراره قبل الاستيفاء منه وإن كان قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث لما ذكرنا في الطرف الآخر‏.‏

فصل‏:‏

وإن تيقن أنه في وقت الظهر نقض طهارته وتوضأ عن حدث وشك في السابق منهما نظر فإن كان قبل الزوال متطهرا‏,‏ فهو على طهارة لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه‏,‏ فلا يزول عن اليقين بالشك وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى الطهارة ثم نقضها‏,‏ والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها والله أعلم‏.‏

فهذا جميع نواقض الطهارة ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء إلا أنه قد حكي عن مجاهد والحكم وحماد‏:‏ في قص الشارب وتقليم الأظفار‏,‏ ونتف الإبط الوضوء وقول جمهور العلماء بخلافهم ولا نعلم لهم فيما يقولون حجة‏,‏ والله سبحانه أعلم‏.‏